Reisu-l-ulema (1993 - 2012) dr. Mustafa Cerić učestvovao na simpoziju o imamu Ebū Menṣūru Al-Māturīdju
U prisustvu velikog broja profesora i studenata jučer (subota, 03.11.2018) je završen dvodnevni simpozij o imamu Ebū Menṣūru Al-Māturīdju, na kojem su pored domaćih turskih sudjelovali i muslimanski učenjaci iz Egipta, Jordana, Maroka, Saudijske Arabije, Katara, Jemena, Malezije, Kazahistana, Makedonije, Švicarske i, narvno, iz Bosne. Ovo nije prvi simpozij o imamu Al-Māturīdiju u Turskoj, ali jeste prvi ozbiljni naučni pristup izučavanju njegovog lika i djela iz oblasti tefsīra, kur'anske egzegeze, tewhīda, islamske monoteističke teološke misli i fiqha, islamskog prava.
Rođen u selu Māturīd u Semerkandu godine 850, imam Ebū Menṣūr Al-Māturīdī je orginalni utemeljitelj islamske sunnitske teološke škole, koja zajedno s ešʿarijskom teološkom školom predstavlja okosnicu ukupnog sunnitskog ortodoksnog učenja u islama. Imam Ebū Ḥasan Al-Ešʿari (umro 936) je djelovao u Bagdadu, prestolnici abbabsidskog khilāfeta, dok je Imam Al-Māturīdi (umro 944) u Semerkandu, prestolnici samānidske dinastije, koja je nominalno poštivala autoritet bagdadskog khilāfeta, ali je djelovala autonomno i izuzetno je cijenila nauku i naučnike.
Dakle, u ozračju slobodne islamske misli daleko od kontraveznih i isključivih teoloških stavova u Bagdadu, imam Al-Māturīdi je postavio orginalni temelj za islamsku monoteističku misao (tawhīd) u islamu, kojoj se danas nužno vraća muslimanska ulema, jer u tome vidi rješenje za krizu mišljenja i prakse u muslimanskim zajednica, krizu koja je izazvana od strane neodgovornih i ekstremnih pojedinaca i grupa, koje su se u posljednje vrijeme pojavili na lokalnoj i globalnoj sceni.
|
Dakako, osjećam određenu satisfakcuju zbog toga, jer sam prije trideset godina, na nagovor moga rahmetli prof. Fazlur Rahmana, na Čikaškom univerzitetu uradio doktorsku disertaciju o teološkom učenju imama Ebū Menṣūra Al-Māturīdija. Tada je bilo samo jedno izdanje Al-Māturīdijeve glavne knjige Kitāb al-Tawhīd, koju je uredio Tatḥullah Khulejf, dok danas imamo četiri izdanja s onim u Istanbolu i u Kairu. Osim toga, Al-Māturīdijevo kapitalno djelo Te'wīlāt Ahl Al-Sunna ili Te'wīlāt Al-Qur'ān, kojeg je uredio Bekir Topaloglu, obajvljeno je u Istanbolu u 17 tomova. Turci su prošle (2017) godine završili 12. tom prijevoda tog djela na turski jezik.
Nadalje, pojavile su se temeljite i afirmativne studije o imamu Al-Māturīdju na Al-Azharu, ali i one negativne na nekim drugim univerzitetima sa izuzetnim ultraselefijskim nagonom, koji se protivi racionalizmu u islamskoj teologiji i pravu. A imam Al-Māturidio je bio upravo to - racionalni muslimanski mislilac u okviru utvrđenih vrijednosti islamske tradicije, koja po svojoj vlastitoj definicije ne izlazi iz okvira racionalnog i čovjeku razumljivog, jer bez toga čovjek nije odgovoran za svoje mišljenje i svoju praksu.
|
Vođen tim maturidjevskim postulatom, moje izlaganja na Maramara univerzitetu u petak, 02.11.2018. god. bilo je o temi: ”ميزة إمام الماتريدي في تفعيل العقل السليم مع مراعاة السمع المبين“ ("Imam Al-Māturīdijeva odlika u aktiviranju zrdavog razuma uz očuvanje značenja jasne objave"). Glavna poruka mog izlaganja bila je da muslimani treba da pređu iz zone divljenja ljudskom umu, kao Božjem daru prvoga reda, u zonu upotrebe toga dara za potrebe dina i dunjaluka. Jer, sve dok se muslimani budu koristili umnim proizvodima drugih a ne svojim, bit će u zaostatku od svijeta i bit će ovisni o rješenjama, koja nisu u duhu ni njihove tradiciji ni njihove kulture. Muslimani danas ne mogu napredovati ako dok god ne shvate da se ne može živjeti od ploduva rada njihovih predaka iz prošlosti, kao ni od tuđeg proizvode, već da svaka generacija mora raditi u duhu svoga vakta i za svoje vlastito dobro. Dakle, mora se osloboditi ovisnosti o tuđim proizvodima, posebno duhovnim i intelektualnim.
Simpozij na Marmara univerzitetu u Istanbulu bio je uspješan, poučan i, nada sve, inspirativan za mene osobno, jer sam se uvjerio da je turska ulema jako uznapredovala u islamskoj nauci, posebno kroz izučavanje lika i djela imama Ebū Menṣūra Al-Māturīdija, koji je bio i ostao glavni učitelj za teološko učenje u osmanskoj carevini, kao što je Ebū Ḥanīfa bio i ostao učitelj za pravno učenje. Mi muslimani u Bosni slijedimo taj mezheb, hanefisjko-maturidijski. Naravno, zbog toga treba da se trudimo da se s tim mezhebom što bolje i što više upoznamo, jer ćemo na taj nači biti otporni na utjecaje, koji mogu da naruše naš duševni i intelektualni mir.
Obraćanje na arapskom jeziku:
لسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
السيد المحترم
هذاه هي ورقة عمل كاملة للمؤتمر
اتكني أن تكون علي مستوي توقعاتكم!
اخوكم المخلص،
مصطفي الراهيم تيسيرتش
***
جامعة مرمرة - اسطنبول
كلية الالهيات
مؤتمر دولي عن الإمام أبي منصور الماتريدي
بعنوان:
"الإمام الماتريدي وتأويلات القرآن”
بتاريخ 2، 3 من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) لعام 2018م
المحور:
آراء الماتريدي الكلامية
ورقة عمل:
”ميزة إمام الماتريدي في تفعيل العقل السليم مع مراعاة السمع المبين“
د. مصطفي إبراهيم تيسيرتشالحنفي الماتريدي الأزهري البوسنوي
المفتي العام في البوسنة سابقا
الملخص
رغم قليل تقصير في نشر دوره الحقيقي وآرائه الكلامية الأساسية في تشكيل عقيدة أهل والسنة والجماعة النهائية، ربما بسبب ”قليل انغلاق وتطويل“ في عرضه لآرائه العسير كما لاحظ ذالك أبو اليسر البزدوي، و ربما بسبب بعده من عاصمة البلاد الإسلامية حينئذ، فإن عقيدة وشخصية ’إمام الهدي‘, و’علم الهدي‘، و’إمام المتكلمين‘، و’مصحِّح عقائد المسلمين‘، و’رئيس أهل السنة‘ أبو منصور محمد ابن محمد ابن محمود الحنفي الماتريدي السمرقندي (توفي: ٣٣٣هـ/٩٤٤م) كانت وما زالت أصلا من أصول العقيدة الإسلامية الصحيحة العامة والفكر الإسلامي القويم العام من حيث تفعيل العقل السليم له مع مراعاة السمع المبين..
فعكس ما نُقِلَ عن إمام الحرمين الجويني (توفي: ٤٧٨هـ/١٠٨٥م) أنه قال في مرض موته: [”لقد قرأت خمسين ألفاً في خمسين ألفاً ثم خليت أهل الإسلام بإسلامهم فيها وعلومه الطاهرة، وركبت البحر الخضم وغصت في الذي نهى أهل الإسلام عنها، كل ذلك في طلب الحق وكنت أهرب في سالف الدهر من التقليد، والآن قد رجعت عن الكل إلى كلمة الحق، عليكم بدين العجائز“]..؛
وعكس ما قاله فخر الدين الرازي (٦٠٦هـ/١٢٠٩م) عن العقل في نهاية عمره: [”نهايــــة إقــــــدام العقـــول عقال، وأكثر سعي العالمين ضـــلال؛ وأرواحنا في وحشة من جسومنا، وحاصل دنيانــــــا أذى ووبال؛ ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا، سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا ..“]..؛
وعكس ما أوصي به إمام أبو حامد الغزالي (توفي: ٥٠٥هـ/١١١١م) في أواخر عمره لمريديه بان الكشف النوري والإلهام الصوفي وليس العقل الصافي ولا الفكر الفاضي منقذاً من الضلال، فإمامنا ’علم الهدي‘ أبو منصور الماتريدي لم يتراجع عن عقله السليم قبل موته ولم يخشي من عاقبة أمر العقل السليم والأمين لأنه كان واثقاً في أمانة نفسه المطمئنة بأنه [”ما من شيئ يأمر الله به، إما ببعث العقل عليه أو بخطاب السمع، إلا وقد جعل الله لفهم ذالك سبيلا. ومن قصر فهمه عن احتماله فهو خارج عن أمره. لكن جهات الأصول مختلفة، تُعلمْ بالنظر والفكر أن ذالك من أي نوع“] (كتاب التوحيد، ص ١٣٨)..
هذا ما نحتاجه اليوم أكثر من أي شيئ آخر. نعم، نحتاج اليوم هذه الثقة الجريئة الماتريدية في العقل السليم ونحتاج اليوم هذه الشهادة الإيمانية الماتريدية في النفس المطمئنة من عهد ’قالوا بلي‘ كذالك حتي ندرك بأن الإنتاج أو الاستخراج النظري و الفكري للعقل المسلم السليم أفضل من استهلاك أعمي للإنتاج أو للاستخراج النظري و الفكري للعقل لغيرنا الذين لا يفهمون روح فكرنا ولا يفقهون روح كلامنا الذي له روح حي وصوت صاخب فلا بد من محافظة علي هذه الروح وعلي هذا الصوت في كلامنا حتي تعيش روحنا فينا وفي غيرنا وحتي يُسمَع صوتُنا بيننا وبين غيرنا من كلامنا النظري والفكري قبل تبنِّينا الرُؤْيا فيها روح لغيرنا وقبل إصغائنا الي صوت الغير فيه إذلال لنا..
أليست هذه المفارقة الكبري (Big Paradox) في موقف بعض العلماء في أمتنا في الماضي وفي الحاضر بأن قد حرموا للمسلمين استعمال عقولهم لإنتاج واستخراج فكرهم لانفسهم ولم يحرموهم استهلاك الانتاج أو الاستخراج الفكري من عقول غيرهم..؟ فإن كان أي شيئ جذير بالذكر و التقدير في الآراء الكلامية لإمام أبي منصور الماتريدي فهذا هو، أي، الادراك بأهمية ممارسة العقل السليم في أمور الدنيا والدين مع مرعاة السمع المبين وعدم تبرئة من العقل السليم في آخر عمر العالم من علماء المسلمين لأن العقل السليم مُنّة من مُنن الله فلا يجوز إنكارها أوإهمالها أوتحقيرها..
نعم، حان الوقت بأن نقول أن تفعيل العقل السليم و استعماله لإنتاج و لاستخراج الفكر الاسلامي المنير بل الفلسفة التنويرية المستقبلية لخير دنيا المسلمين ومعادهم خير من تحريم استعمال العقل السليم وخير من استهلاك المسلمين لإنتاج واستخراج الفكر غيرهم، الذي لا روح ولا صوت لهم فيه ..
هذا، وفي التحويل من ’الاستهلاك’ لعقول غيرنا إلي ’الاستعمال‘ لعقولنا أنفسنا، إمام المتكلمين أبو منصور محمد ابن محمد ابن محمود الحنفي الماتريدي السمرقندي يمكن أن يكون معلمنا ومرشدنا نحوه..
هذه الميزة الماتريدية هي ما أنوي أن أقدمها في ”ورقة عمل“ الموسعة لهذا المؤتمر الدولي القادم عن الإمام أبي منصور الماتريدي في جامعة مرمرة - اسطنبول، إن شاء الله.
***
قصتي مع الامام أبي منصور الماتريدي
قبل حديثي عن الموضوع الآنف ذكره، أود أن أشارك معكم لقائي الأول ومعرفتي الأولي بالامام علم الهدي أبي منصور محمد ابن محمد ابن محمود الحنفي الماتريدي السمرقندي. كان ذالك في القرن الماضي الميلادي ما بين ألف تسع مائة و واحد وثمانين و ستة وثمانين في جامعة شيكاغو بالاولايات المتحدة الامريكية أثناء وظيفتي ورسالتي كالإمام لدي الجالية المسلمة للبوشناق. وكان حظي أني قد التقيت في ذالك الوقت في هذه الجامعة الاستاذ الباكستاني الكبير العلامة فضل الرحمان (١٩١٩-١٩٨٨) وذالك بفضل العلماء الاشداء عليه بسبب بعض آرائه الكلامية. ولقد نزلت بأمريكا في مدينة شيكاغو بعد ما حصلت علي شهادة الليسانس في اللغة العربية عام ١٩٧٨ في الأزهر الشريف. و بطبيعة الاحال، فقد تأثرت بالحماسة الأز هرية في الدين والفكر حيث تبنيت القناعة السائدة حينذاك بأن الاسلام قد حل جميع مشاكل الدنيا و الآخر ولكن أكثر الناس لا يعلمون. وقد أصابتني هذه القناعة حتي ظننت أنه لم يبقي لي شيئ لأسهم به في الفكر الاسلامي إلا أن أحفظ وأحافط ما قد ورثنت من آبائنا وعلمائنا. ولكن، أستاذي فضل الرحمان، رحمه الله، في جامعة شيكاغو أرشدني بأن هناك كثير من القضايا في الفكر الاسلامي تنتظرني أي تدعو العقول السليمة والمفتوحة لتقوم بحلها ومنها قضية تناسب بين العقل والنقل، والسمع والعقل، والأصل والفرع، والوحي والتجربة الانسانية وهلمَّ جراًّ..
هذا، وقد أدركت حينئذ أنه لو عشت مدة حياتين ما كفاني العمل لكي أصل إلي الغاية المرجوة من العلم والمعرفة وما ملّ عَلَيَّ البحث عن حقيقة الدين والدنيا. نعم، هنا دلني أستاذي إلي الطريق المحكم حين نبهني عل أهمية علاقة بين أصول الدين وأصول الفقه، بل هو ألفت نظري إلي عظمة الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفيّ (١٥٠-٨٠ هـ/ ٦٩٩-٧٦٧ م) حين سمّي أصول الدين ”الفقه الأكبر“ ورسم بذالك الطريق للعلماء لكي يعرفوا الفرق بين الأصولي والفقيه حيث يمكن في أن الأصولي ينظر في الأحكام والقواعد الكلية التي تفيد الفقيهَ في استنباط الحكم الشرعي لأفعال المكلفين وأما الفقيه فينظر في أفعال المكلفين ليعرف الحكم الشرعي لكل فعل منها. فقد عرف الامام الغزالي(ت: ١١١١م) هذا الشأن في كتابه ”المستصفي“ حيث قال: [ اعلم أن العلوم تنقسم إلى عقلية كالطب والحساب والهندسة.. وإلى دينية كالكلام والفقه وأصوله وعلم الحديث وعلم التفسير وعلم الباطن.. وكل واحد من العقلية والدينية ينقسم إلى كلية وجزئية. فالعلم الكلي من العلوم الدينية هو الكلام وسائر العلوم من الفقه وأصوله والحديث والتفسير علوم جزئية ، لأن المفسر لا ينظر إلا في معنى الكتاب خاصة والمحدث لا ينظر إلا في طريق ثبوت الحديث خاصة ، والفقيه لا ينظر إلا في أحكام أفعال المكلفين خاصة ، والأصولي لا ينظر إلا في أدلة الأحكام الشرعية خاصة والمتكلم هو الذي ينظر في أعم الأشياء وهو الموجود ، فيقسم الموجود أولا إلى قديم حادث ، ثم يقسم المحدث إلى جوهر وعرض ، ثم يقسم العرض إلى ما تشترط فيه الحياة من العلم والإرادة والقدرة والكلام والسمع والبصر وإلى ما يستغني عنها كاللون والريح والطعم ، ويقسم الجوهر إلى الحيوان والنبات والجماد ويبين أن اختلافها بالأنواع أو بالأعراض..]
ويقول أبو بكر علاء الدين محمد بن أحمد بن أبي أحمد السمرقندي (ت:١١٤٥م) فقيه وأصولي من كبار علماء المذهب الحنفي الذي أقام في حلب فارة من الزمن، واشتهر بكتابه ”تحفة الفقهاء“ في كتابه القيم ”ميزان الأصول في نتائج العقول“ في المقدمة ما نصه:[اعلم أن علم أصول الفقه والأحكام فرع لعلم أصول الكلام، والفرع ما تفرع من أصله، وما لم يتفرع منه فليس من نسله، فكان من الضرورة أن يقع التصنيف في هذا الباب على اعتقاد مصنف الكتاب. وأكثر التصانيف في أصول الفقه لأهل الإعتزال المخالفين لنا في الأصول، ولأهل الحديث المخالفين لنا في الفروع، والاعتماد على تصانيفهم إما أن يفضي إلى الخطأ في الأصل، وإما الغلط في الفرع، والتجافي عن الأمرين واجب في العقل والشرع، وتصانيف أصحابنا رحمهم الله تعالى في هذا النوع قسمان: قسم وقع في غاية الإتقان والإحكام لصدوره ممن جمع الفروع والأصول، وتبحر في علوم المشروع والمعقول، مثل الكتاب الموسوم بمآخذ الشرائع والموسوم بكتاب الجدل للشيخ الزاهد رئيس أهل السنة أبي منصور الماتريدي السمرقندي رحمه الله ونحوهما من تصنيف استاذيه وأصحابه رحمهم الله تعال].
ما أقول أنني ما عرفت أهمية أصول الدين، ولكن أقول أنني ما قدرت هذه العلاقة الوطيدة حق قدرها وهذه الاساسية الوثيقة لأصول الدين بالنسبة إلي علم الفقه. هذا التنبيه من قبل أستاذي فضل الرحمن، رحمه الله، وهذا الادراك مني جعلني أتحول من دراسة علم اللغة أي من النحو والصرف والبلاغة إلي علم الكلام أي إلي توحيد الله وصفاته.. نعم، قد أفادني علمي بالمعاني اللغوية كثيراً في المعاني الكلامية بل إنني أدركت أن قضية علم الكلام هي قضية اللغة، قضية اللفظ والمعني في أسماء الله وصفاته وأن الفهم أو الفقه الصحيح للألفاظ والمعاني اللغوية العربية شرط أساسي لإقامة العقيدة الصحيحة لأنه في دراية اللغة العربية في مفردها ومجملها تقع بداية العقيدة الاسلامية الأصيلة السليمة ونهايتها.
فبعد أن قبلت أن أكرِّس دراستي العليا في جامعة شيكاغو لعلم التوحيد والصفات من خلال تشجيع الأستاذ فضل الرحمن، رحمه الله، نويت أن أخصص ذالك لواحد من أكبر العلماء البوشناق حسن كافي الآقحصاري (ت: ١٦١٦م) و هو متكلم فقيه من علماء أهل السنة والجماعة؛ ولد في بلدة أقحصار (Prusac) في البوسنة وولي قضاءها، وتوفي بها، فقد أجاد الكافي ثلاث لغات:العربية والتركية والفارسية، ولكن كتب معظم مؤلفاته بالعربية مثل: [سمت الوصول إلى علم الأصول]؛[روضات الجنات في أصول الإعتقادات]؛[أصول الحكم في نظام العالم]؛ [شرح مختصر القدوري]؛ [شرح كافية ابن الحاجب ]؛ [نظام العلماء إلى خاتم الأنبياء] وقد ذكر في هذ الكتاب سلسلة مشايخه في الفقه إلى الإمام أبي حنيفة ثم منه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وترجم كل واحد منهم. كان حسن كافي الآقحصاري ورعاً متقشفاً كثير الصيام، يبغض مشايخ الطرق في زمانه، ويقرعهم بحجج الشرع، ويقول: "لو كانت الكرامة تنال بالرياضة لنلتها“.
ولكن، حالما بدأت البحث عن هذا العالم البوسنوي الكبير، أدركت أنه لا يمكن فهم عقل التلميذ بدون فهم عقل معلمه ولا يمكن تقييم عقيدة التابع قبل تقييم عقيدة متبوعه. ولم يكن من الصعب تشخيص هذا الأمر عند حسن كافي الآقحصاري إذ أنه المعروف أن المملكة العثمانية العظمي في العقيدة كانت تابعة للإمام الماتريدي وفي الفقه للإمام الأعظم أبي حنيفة وحسن كافي الآقحصاري كان واحدا من عمودها الفقري في كلا الأمرين - القعيدة والفقه. إذن، من هنا التقيت مع الإمام أبي منصور الماتريدي لاول مرة وقد طال الأمد لهذا اللقائ قرونا عديدة وعصورا غريبة ولذالك كان هذا اللقائ عاطفا وحنونا وعزيزا وفخورا وعُهودا.. ومن هنا كشفت جذوري الايمانية الاعتقادية السمعية والعقلية الماتريدية عندما قرأت السطور الاولي في ”كتاب التوحيد“حيث قال الشيخ أبو منصور رحمه الله فيما يتعلق بوجوب معرفة الدين هذا الكلام: [إنا وجدنا الناس مختلفي المذاهب في النحل في الدين متفقين على اختلافهم في الدين على كلمة واحدة: أن الذي هو عليه حق والذي عليه غيره باطل على اتفاق جملتهم من أن كلا منهم له سلف يقلد فثبت أن التقليد ليس مما يعذر صاحبه لإصابة مثله ضده على أنه ليس فيه سوى كثرة العدد؛ اللهم إلا أن يكون لأحد ممن ينتهي القول إليه حجة عقل يعلم بها صدقه فيما يدعي وبرهان يقهر المنصفين على إصابته الحق فمن إليه - أي إلى العقل - مرجعه في الدين بما يوجب تحقيقه عنه فهو المحق؛ وعلي كل واحد منهم معرفة الحق فيما يدين هو به، كأن الذيي دان به هو مع أدلة صدقه وشهادة الحق له حصرهم إذ منتهي حجج كل منهم ما يضطر العقول إلي التسليم له لو ظفر بها؛ وقد ظهرت لمن ذكرت، ولا يجوز مثلها لضده في الدين، لما يتناقض حجج العقل، بعدما غلبت حججه وأظهر تمويهَ أسباب الشيه في غيره، ولا قوة إلا بالله العظيم]
وإن كان في هذا الكلام ”قليل انغلاق وتطويل“،كما لاحظ ذالك أبو اليسر البزدوي، فلذلك لم أفهمه من أول وهلة، ولكن بعد قرائة متكررة وجدت فيه ما كنت أبحث عنه وهو هذا الإعتراف بدور العقل الفعال في أمر الدين من قبل المتكلم المعتبر وهذا التنسيق المطلوب منه بين السمع والعقل حينما يقول الشيخ أبو منصور رحمه الله في كتاب (التوحيد) وفي (التأويلات): [ أصل ما يعرف به الدين وجهان : أحدهما السمع والآخر العقل أما السمع فما لا يخلو بشر من انتحاله مذهبا يعتمد عليه ويدعوه غيره إليه ...فلزم طلب أصل يجمعهم عليه لغاية ما احتمل وسعهم الوقوف عليه على أن الأحق في ذلك إذ علم بحاجة كل ممن يشاهد وضرورة كل من المعاين أن لهم مدبرا عالما بأحوالهم وبما عليه بقاؤهم وأنه جبلهم على الحاجات لا يدعهم وما هم عليه من الجهل وغلبة الأهواء مع ما لهم من الحاجة في معرفة ما به معاشهم وبقاؤهم دون أن يقيم لهم من يدلهم على ذلك ويعرفهم ذلك ولابد من أن يجعل له دليلا وبرهانا يعلمون خصوصه بالذي خصه به من الإمامة لهم وأحوجهم إليه فيما عليه أمرهم فيكون في ذلك .. أنه هو الذي جعله المفزع لهم والمعتمد].. و قال أيضا [والأصل أن الله تعالى إذ لا سبيل إلى العلم به إلا من طريق دلالة العالم عليه بانقطاع وجوه الوصول إلى معرفته من طريق الحواس عليه أو شهادة السمع .. إن العلم بالله وبأمره عرض لا يدرك إلا بالاستدلال4.. أي، بالمعرفة الاستدلالية القائمة على النظر العقلي.. وقال الشيخ أبو منصور الماتريدي في تفسيره لقوله تعالى : لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165]حقيقة الحجة لكن ذلك إنما يكون في العبادات والشرائع التي سبيل معرفتها السمع لا العقل فلا يكون.. وأما الدين فإن سبيل لزومه بالعقل فلا يكون لهم في ذلك على الله حجة..].
فرغم الصعوبة التي واجهته في فهم كتابه ”التوحيد“، مضيت في مشوار دراستي له التي استقر سنتين وزيادة حتي حصلت علي درجة الدكتورة سنة ١٩٨٦ تحت إشراف الأستاذ العلامة فضل الرحمن، رحمه الله؛ وكان عنوان الأطروحة ”دراسة علم الكلام عند ابي منصور الماتريدي (٢٣٥/٨٥٠ - ٣٣٣/٩٤٤)“ [A Study of the Theology of Abu Mansur Al-Maturidi (ca.235/850 - 333/944)].. وقد نشرت هذه الأطروحة في كولا لومبر، ماليزيا، سنة ١٩٩٥ في شكل الكتاب تحت العنوان: ”الجذور لعلم الكلام التركيبي في الاسلام“ [Roots of Systhetic Theology in Islam].
ليس المجال هنا للتفصيل ما ورد في هذه الأطروحة من التحقيق والتحليل لشخصية الامام الماتريدي و آرائه الكلامية إلا الاشارة إلي إقتناعي العميق بأن الامام الماتريدي المؤسس الحقيقي الأول لعقيدة أهل السنة والجماعة علي منهج التوفيق بين السمع والعقل وذلك يمثل رداًّ قاطعاً علي فكرة التعطيل عند المعتزلة وفكرة التشبيه عند الحشوية في مسئلة التوحيد و الصفات. نعم، هذا الاستباق في الخيرات الكلامية بين أبو الحسن الأشعري (ت: ٩٣٦ م) و الامام الماتريدي مستمر من اليوم الأول حتي الآن بين أتباعهما خاصة في مناطق ”ماوراء النهر“ إلا أن بُعْدَ الامام الماتريدي من العاصمة بغداد جعل هذا الاستباق لصالح الإمام الأشعري وكذالك تبني أفكاره الكلامية ونشرها من قبل أتباعه مثل الإمام الغزالي بعد فصله من المعتزلة جعله أكثر شهرة وأوسع سمعة من الإمام الماتريدي. ولكن، هذا لا يمنعنا من أن نقول بأن الإمام الماتريدي كان أكثر صدقا وأوسع علما من الإمام الأشعري لأن عقيدة الإمام الماتريدي كانت من أوله إلي آخره العقيدة الـ ”قالو بلائية“ الثابتة القانتة المخلصة المستقيمة المحكمة وما كانت تحتاج إلي الاعتذار لأحد من الناس وما كانت تهوي إلي الاعتبار من أحد إلا من السمع الذي يأتيه من الله و رسوله ومن عقله السليم الذي يطيع الله ورسوله.
نعم، أعجبني تفكير الامام الماتريدي ونظره الكلامي حتي عزمت أن أبذل جهدي الجاد لدراسة أفكاره التأويلية القرآنية وآرائه الكلامية والفقهية لأن فيها من الجذور الكلامية الفكرية التي ورثتموها سواء وعيا أو بغير وعي وبذالك هي جزء لا يتجزأ من هويتي الاسلامية الثقافية.. وذلك كله لإبراز العلامة البوسنوي الكبير حسن كافي الأقصاري إلي العالم . ولكن، ظروف الحرب علي البوسنة منعتني من هذا الفضل الدراسي وأوقفتني مدة 20 عاما من صحبة مع الإمام الماتريدي .. هذا، و الدعوة لحضور هذا المؤتمر أسدتني كثيراً جداً لأن الحديث عن الإمام الماتريدي يوحي في نفسي الاطمئنان الايماني والاسقرار الفكري .. فشكراً جزيلاً لجامعة مرمرة - اسطنبول، كلية الالهيات، علي تنظيم هذا المؤتمر الدولي عن الإمام أبي منصور الماتريدي.
تفعيل العقل واسخدامه
بعد هذه القصة الشخصية القصيرة مع الإمام الماتريدي لا أري الحاجة إلي سرد البيانات عن حياة الامام الماتريدي وآرائه الكلامية الواسعة لأنه، ومن المأكد، قد قام العلماء الآخرون في هذا المؤتمر هذا المقام.. ولكن، ما أراه ضرورياً ومناسبا لهذا المقام ولهذا الزمان، و نحن بصدد فهم العقل الماتريدي، هو إحياء تفعيل العقل واستخدامه عند المسلمين وذلك من خلال الفهم المقصود لتفعيله واسخدامه عند الامام الماتريدي وذالك علي أساس القاعدة التي هو وضعها وهذا نصها: [ما من شيئ يأمر الله به، إما ببعث العقل عليه أو بخطاب السمع، إلا وقد جعل الله لفهم ذالك سبيلا. ومن قصر فهمه عن احتماله فهو خارج عن أمره. لكن جهات الأصول مختلفة، تُعلمْ بالنظر والفكر أن ذالك من أي نوع].
نحن لا ينقصنا الكلام عن العقل كنور روحاني أودعه الله تعالى في الإنسان ، وهو آلة التفكير التي يتم بها التمييز بين الحق والباطل. . ولا ينقضنا الكلام عن العقل لغة حيث نعلم أن كلمة ”عقل“ تعني: ”الحجر والنُهى .. ورجل (عَاقل) و(عَقُول) ، وقد (عَقَل) من باب ضرب ، و(مَعْقُولاً) أيضاً هو مصدر . و(العقلُ) أيضاً الديه و(اَلعَقولُ) بالفتح ، الداء الذي يمسك البطن ذلك حسب“ (مختار الصحاح) للرازي (). أما الفيروز أبادي في (القاموس المحيط) فإنه يقول : ”العقل : العلم ، أو بصفات الأشياء ، من حسنها وقبحها ، وكمالها ونقصانها .. أو لقوة بها يكون التمييز بين القبح والحسن .. والحق أنه نور روحاني به تدرك النفس العلوم الضرورية والنظرية .. ج : عُقول ، عَقَلَ يَعْقل عَقْلاً ومَعْقولاً وَعقَّلَ ، فهو عاقل من عُقلاء وعُقَّال .. والعقلُ : الديه ، والحصن ، والملجأ والقلبُ “(). وورد في (مقاييس اللغة) : " وهو الحابس عن ذميم القول والفعل . قال الخليل: العقل : نقيض الجهل . يقال عَقَل يَعْقِل عَقْلاً ، إذا عرف ما كان يجعله قبل ، أو أنزجر عما كان يفعله . وجمعه عُقول . ورجل عَاقل وقوم عُقلاء وعَاقلون . ورجل عَقُول ، إذا كان حسن الفهم وافر العقل .. ومن الباب العَقْل وهي الديه " (). وذكره ابن منظور في معجمه المشهور (لسان العرب) : " العقلُ : الحِجر والنُهى ، ضد الحمق ، والجمع عُقول .. وقيل : العاقل الذي يحبس نفسه ويردها عن هواها .. والمَعقول ما تعقله بقلبك .. والَعقل الديه " ().. وكذالك لا ينقصنا الكلام عن فضل العقل.. فقد نجد سواء في الكتب القديمة أو الحديثة الكلام الواسع عن فضل العقل في الاسلام مثل: فإنَّ مِنْ أفضل نِعَم الله على عباده، نعْمةَ العقل، فلولا العقل لما عرَف الإنسان دينَ الإسلام والنبوة، والخيرَ والشر، والحقَّ والباطل، والمعروفَ والمنكر، قال - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ [الإسراء: 70]، فالله - تعالى - فضَّل بني آدم على غيرِهم منَ الجمادات، والحيوانات، والنباتات بهذا العقْل. قال - تعالى - مادحًا عبادَه أصحاب العقول السليمة: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 190]، قال ابن كثير: أي العقول التامة الزكية، التي تُدرك الأشياء بحقائقِها على جلياتها، وليسوا كالصمِّ البكم الذين لا يعقلون، الذين قال الله فيهم: ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ * وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ ﴾ [يوسف: 105- 106][1]. وقد ذمَّ الله - تعالى - أصحابَ العقول الغافلة عن دينه؛ فقال: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ﴾[الأنفال: 22]. وقال - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾ [الأعراف: 179]. فإذا فَقَدَ الإنسان العقلَ السليم الذي يقوده إلى الخير، ويُبعده عن الشر، فقد أصبح كالبهيمة التي تأكل وتشرب ولا تعقل شيئًا؛ بل إنها خيْرٌ منه، كما في الآية الكريمة السابقة؛ روى الحاكم في "المستدرك"، من حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن الله كريم يحب الكرم، ويحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافَها))[2]؛ أي: دنيئها وخسيسها. قال ابن حبان: وإنَّ محبة المرء المكارم منَ الأخلاق وكراهته سفسافها، هو نفس العقل، فالعقل به يكون الحظ، ويؤنس الغربة، وينفي الفاقة، ولا مال أفضل منه، ولا يتمُّ دين أحد حتى يتم عقلُه، وهو من أفضل مواهب الله لعباده، وهو دواء القلوب، ومطية المجتهدين، وبذر حراثة الآخرة، وتاج المؤمن في الدنيا، وعُدَّته في وقوع النوائب، ومن عدم العقل لم يزدْه السلطان عزًّا، ولا المال يرفعه قدرًا، ولا عقل لمن أغفله عن أخراه ما يجد من لذَّة دُنياه[3].
بيد أنَّ ما ينقصنا هو تفعيل هذا الفضل من الله و نعمته وإستخدامه لخدمة الدين والدنيا. والسبب لذالك أراه في العقل المستكين والعقل الكَسِلِ المتقاعس. فالسؤال إذن، كيف أصبح العقل مستكينا رغم الإنذار بأن ذالك ليس من العمل الصالح للمؤمن: [ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ]؟ أصبح العقل مستكينا عند المسلمين حين قال العلماء الكبار قبيل موتهم أن العقل لا فائدة فيه، و أن أفضل الدين دين العجائز، و أن الفلسفة غير منقذة من الضلال.. هذه هي ميزة الإمام الماتريدي علي أن عقله لم يستكن و نظره الاستدالي لم يكسل، بل وصي لنا به بالوضوح بأنه ليس هناك شيئ يأمر الله به إلا وقد جعل الله لفهم ذالك سبيلا وهذا الفهم هو العقل الذي فضل الله الإنسان علي سائر مخلوقاته..
ما يألمني في هذا الشأن هو العلم بأنه بينما كان يبذل جهداً كبيراَ بعض علمائنا قديما وحديثا ليثبتوا عجز عقل الإنسان رغم فضله ونعمته عليه لكي يثبت قدرة الله المطلقة وكأن الله بحاجة إلي هذا الإثبات من الإنسان [ أليس الله غني عن العالمين] .. أقول، بينما كان هذا حالنا، غيرنا اقتبسوا التجربة العقلية منا ليثبتوا قدرة العقل فيما أقدره الله وليدبروه و يستخدموه فيما يحتاجون إليه في دينهم و دنياهم.. و كأنهم قرؤوا ما قاله الإمام الماتريدي أنه ليس هناك شيئ بما أمره الله إلا للعقل الإنساني سبيل لفهمه استدراكه .. فالطريق نحو علاج من الاستكانة في أمتنا ودفع الكسل من عقولنا هو تفعيل العقل السليم واستخدامه لمصلحة ديننا ودنيانا.. هذه هي رسامة الإمام الماتريدي الكلامية والفقهية لو فهمناه لكان خيراَ لنا ) وَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ ، نِعْمَ الْمَوْلي وَنِعْمَ النَّصِيرُ - صدق الله العظيم